التعليم الابتدائي: وضوح في الرؤية وتعتر في الممارسة: الجزء الأول.
محمد بنوي: باحث في
مجال التربية والمجتمع.
تقديم:
استمرارا لسلسلة المقالات التربوية التي
نقدمها حصريا على موقع تربويات المغربية وفي إطار قراءة لمشاريع الاصلاح منذ
الميثاق الوطني للتربية والتكوين الصادر سنة 2000 الى قانون الإطار 51/17 المتعلق
بالتربية والتعليم و التكوين الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من غشت 2019 ،وبعد ان
وقفنا على واقع التعليم الأولي ومختلف الرهانات المعقودة عليه لتطوير منظومتنا
التربوية من خلال تعميم وتجويد هذا النوع من التعليم على جميع الأطفال ،في هذه
المقالة الثالثة سنحاول ،قدر الإمكان أن نلامس واقع التعليم الابتدائي في
المغرب كما هو حاليا في مدارسنا والعوائق والاكراهات التي تحول دون تحقيق ما هو
منتظر منه واقتراح ما يمكن اقتراحه من افكار لتساهم مع افكار اخرى في تشخيص وتحليل
وتطوير الممارسة التربوية في هذا السلك التعليمي الاساسي الذي يحدد، الى درجة
كبيرة، المستقبل الدراسي للمتعلمين والمتعلمات خلال المراحل اللاحقة من دراستهم.
لا أحد يجادل في ان الميثاق الوطني للتربية
والتكوين قدم تصورا متقدما ومتكاملا لما يبغي ان تكون عليه منظومتنا التربوية من
أجل اقلاع حقيقي لنظامنا التعليمي ليلعب دوره في بناء مجتمع متجدد ومتقدم بإعلانه "قطاع
التربية والتكوين أول أسبقية وطنية بعد الوحدة الترابية'. فما هي الرهانات التي
راهن عليها هذا" العقد البيداغوجي" على مستوى التعليم الابتدائي؟ ما هي
الأهداف التي سطرها خلال العشرية 2000-2009 التي اعتبرها الميثاق نفسه "
عشرية وطنية للتربية والتكوين"؟ ماذا تحقق منها؟ وماذا لم يتحقق؟ ولماذا لم
يتحقق كل ما كان مأمولا؟ كيف سيتدارك البرنامج الاستعجالي (2009-2012) مالم
يستطع الميثاق انجازه؟ وهل نجحت مشاريعه الاستعجالية في اصلاح اعطاب
المنظومة؟ هل يمكن اعتبار مضامين الرؤية الإستراتيجية (2015-2030) جوابا على
المأزق الذي وجد الاصلاح نفسه فيه؟ ما هو الجديد الذي بشرنا به قانون الإطار رقم
51/17؟ هل سيتمكن نظامنا التربوي، مع هذا القانون، من تحقيق طموحات وامال الدولة
والمجتمع في جعل التربية والتعليم والتكوين رافعة للتقدم الشامل المنشود في جميع
مجالات الحياة؟
هذه الأسئلة وغيرها هي
ما سنحاول الإجابة عليها بشيء من التفصيل، مع الإشارة أن هذا المقال المتواضع
سيركز أساسا على تتبع أثر هذه المشاريع الإصلاحية التربوية على مستوى المتعلمات
والمتعلمين.
1- رهانات الميثاق الوطني للتربية والتكوين.
قبل التطرق إلى ما جاءت به هذه الوثيقة فيما
يخص التعليم الابتدائي لابد من التذكير بالصورة التي ينبغي ان يكون عليها متعلموا
القرن 21 وكذلك البعض من الغايات الكبرى التي يسعى نظامنا التربوي الى تحقيقها كما
ورد في القسم الاول وهي التمكن من" التواصل باللغة العربية، لغة البلاد
الرسمية، تعبيرا وكتابة، متفتحون (اي المتعلمون) على اللغات الاكثر انتشارا في
العالم، متشبعون بروح الحوار، وقبول الاختلاف، وتبني الممارسة الديمقراطية في ظل
دولة الحق والقانون" .اما عن الغايات الكبرى ،ولأن هذا الحيز لا يسمح بعرض
جميع الغايات التي أكد عليها الميثاق، فيمكن الاقتصار على غايتين اعتبرها اساسيتين
في هذا السياق : الأولى وتتعلق ب" توفير الشروط وفتح السبل امام اطفال المغرب
ليصقلوا مواهبهم ويكونون منفتحين مؤهلين وقادرين على التعلم مدى الحياة". أما
الغاية الثانية فهي تؤكد على" منح الأفراد فرصة اكتساب القيم والمعارف
والمهارات التي تؤهلهم الاندماج في الحياة العملية". بعد كل هذا يحق لنا ان
نتساءل: هل تعمل مدارسنا الابتدائية على تثبيت هذا المرتكز وغيره من المرتكزات
الاخرى لدى متعلماتنا ومتعلمينا طيلة مسيرتهم الدراسية في السلك الابتدائي؟ هل
تعمل مؤسساتنا التعليمية على تزويد الناشئة بما يكفي من قدرات وامكانيات تؤهلها
"للاندماج" الاجتماعي؟ يمكن تأجيل الإجابة عن هذه التساؤلات الى ما بعد
التعرف على موقع التعليم الابتدائي في هذا الميثاق من خلال ما جاء به من افكار
جديرة بقراءتها قراءة متأنية وربطها بواقع الممارسة التربوية كما تمارس في
مؤسساتنا الابتدائية.
نقرأ في القسم الثاني
المخصص "لمجالات التجديد ودعامات التغيير" وبالتحديد في المجال الثاني
المتعلق ب" التنظيم البيداغوجي" وفي الدعامة الرابعة أن " السلك
الاول من التعليم الابتدائي، يسعى الى تحقيق ما يلي:
-اكساب المعارف
والمهارات الأساسية للفهم والتعبير الشفوي والكتابي باللغة العربية
.
-التمرن على استعمال لغة
أجنبية أولى .
-اكتساب المبادئ
الوقائية الصحية وحماية البيئة.
-
تفتق مهارات الرسم والبيان واللعب التربوي.
-
تملك قواعد الحياة الجماعية وقيم المعاملة الحسنة والتعاون والتضامن.
هذا ما يتعين على
متعلمات ومتعلمي السنتين الأولى والثانية من التعليم الابتدائي، ان يتلقوه في
مدارسهم من طرف مدرساتهم ومدرسيهم وان يتجلى ويظهر ذلك في مستواهم اللغوي والمعرفي
وفي سلوكهم الفردي والاجتماعي وذلك قبل الانتقال الى السلك الثاني من نفس التعليم
والذي يبتدئ في السنة الثالثة بحيث من المفروض على المعنيات والمعنيين بهذا السلك
ان يتعلموا ما يلي: ( ودائما كما ورد في الدعامة الرابعة من المجال الثاني، القسم
الثاني)
- تنمية مهارات الفهم
والتعبير باللغة العربية الضرورية لتعلم مختلف المواد .
- تعلم القراءة والكتابة
والتعبير باللغة الأجنبية الأولى.
- تنمية البنيات
الإجرائية للذكاء العملي.
- التمرن الأولي على
الوسائل الحديثة للمعلومات والابداع التفاعلي.
- التمرن الأولي
على الاستعمال الوظيفي للغة أجنبية ثانية مع التركيز في البداية على الاستئناس
بالسمع والنطق.
هذه هي أهم المعايير
والمواصفات التي ينبغي ان تتجلى لدى المتعلمات والمتعلمين في نهاية السلك
الابتدائي سواء تلك المرتبطة بالقيم والمقاييس الاجتماعية أو تلك المتعلقة
بالكفايات والمضامين فماذا انجز من هذا الميثاق ؟ وماذا لم ينجز ؟.
لن نجد أفضل من الجواب
الذي قدمته المؤسسة الدستورية المكلفة بتشخيص وتقييم وتقديم استشارات وتوصيات حول
القطاع. فبعد تماني سنوات من صدور الميثاق ، قدم المجلس الاعلى
للتعليم آنذاك في سنة 2008 تقريره عن " حالة منظومة التربية والتكوين وافاقها.
لنبدأ بمستوى المتعلمين
في تعلم اللغات ،جاء في الجزء الاول من التقرير " انجاح المدرسة للجميع
" في الفقرة المخصصة ل" نموذج بيداغوجي امام صعوبات الملائمة
والتطبيق" ما يلي :" ان اغلب تلامذتنا غير متمكنين ،بما فيه الكفاية ،من
اللغات (.....) وان 50% فقط منهم _ من الساكنة 10سنوات فاكثر _ يعتبرون انهم
يقرأون ويكتبون باللغة العربية وبلغة أجنبية ،الفرنسية بالأساس. اما "
الانفتاح على اللغات الدولية الأولى ،الانجليزية والاسبانية ما يزال ضعيفا".
أما عن جودة التعلمات، فان
التقرير السالف الذكر اعتبر "أن المدرسة وباستثناء بعض المؤسسات ذات الامتياز،
لم تتمكن بعد من توفير تعليم وتكوين بمعايير الجودة " فهناك سنويا "
17%من حالات التكرار في السنة الأولى ابتدائي .فرغم كل المجهودات المبذولة فان ما
بشر به الميثاق الوطني للتربية والتكوين اصطدم بصعوبات على مستوى التنفيذ وهذا ما
استدعى برنامجا استعجاليا لتسريع وتيرة الاصلاح و" تدارك ما فات". فماهي
المشاريع التي جاءت بها الخطة الاستعجالية (2009-2012) على مستوى التعليم
الابتدائي ؟ وهل استطاعت مشاريعها المقترحة ان تحقق ما عجزت دعامات الميثاق عن
تحقيقه؟
ذلك ما سنحاول الخوض
فيه خلال الجزء الثاني من هذه المقالة الخاصة بالتعليم الابتدائي من الميثاق
الوطني الى قانون الإطار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق